من المعلوم أن التقنية الحديثة بلغت اليوم درجة كبيرة من التقدم، وهي
تستخدم لأغراض متعددة سواء كانت تلك الأغراض مشروعة أو ممنوعة، وصار الكل يتفنن في
عرض ما لديه سعياً للتأثير في الآخرين، ومن المجالات الطيبة التي استخدمت فيها تلك
التقنيات الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، بهدف تذكير المؤمنين بدينهم، ودعوة غيرهم
إلى الإيمان بالله – عز وجل- المعبود بحق، اتباعا لأمره سبحانه: { ادْعُ
إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } (النحل:125)، وقوله سبحانه: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ
دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }(فصلت:33).
أنواع التقنيات الحديثة التي يمكن استخدامها في الدعوة:
التقنيات التي يمكن استخدامها في الدعوة إلى الله كثيرة ومتعددة،
وينبغي عدم الاقتصار على بعضها دون الآخر، وذلك بهدف تعميم الدعوة عن طريق كل
الوسائل المتاحة، حتى ينتشر الخير وتعم الفائدة، ومن تلك التقنيات الحديثة:
1-
الهاتف والجوال
2-
الإنترنت مثل: المواقع الإلكترونية: الفيس بوك وتويتر،واليوتوب،والجرويات
الدعوية.
3-
الإذاعة والتلفاز
4-
القنوات الفضائية
5-
الصحف والمجلات
6-
لوحات الإعلانات الالكترونية بالأماكن العامة وغيرها.
أهمية استخدام التقنيات في الدعوة :
لا يخفى أهمية هذه التقنيات، حيث إنها انتشرت انتشاراً واسعاً فقربت
المسافات، ووفرت الكثير من الجهود، وصار الداعية من خلالها يستطيع الوصول إلى
شريحة كبيرة من المدعوين، وأنها تنقل الدعوة بطريقة جديدة وشيقة وممتعة، وأن
استخدام تلك التقنيات في الدعوة بديل عن الاستخدامات الأخرى قليلة النفع.
وممارسة الدعوة إلى الله تعالى من خلال التقنيات الحديثة والإنترنت
خاصة لا تحتاج لشهادات أو دورات معقدة، فلقد تعلم الكثيرون من الدعاة أصحاب
الشهادات الشرعية الكثير من وسائل وأساليب استغلال هذه الشبكة في الدعوة إلى الله
في أيام قليلة، واهتدى على أيديهم خلق كثير لا يعلمهم إلا الله، فخصوصية التعامل
مع الشبكة في أناس متخصصين قد اضمحلت لما تتمتع به هذه الشبكة من المرونة في
التعامل معها لدى جميع شرائح المثقفين.
فالإنترنت مثلاً في أحيان كثيرة ليست وسيلة احتكاك مباشر بالناس،
وهذا الأمر يعطي قدراً كبيراً من المرونة للدعاة فإن الناس سيستفيدون من موقعك
الدعوي و المعلومات المتوفرة فيه، و هذا أمر يختلف عن الشيخ الذي يجلس في المسجد و
يعلم الناس فإنه في حال سفره أو مرضه تنقطع الاستفادة من علمه، ثم أيضاً لو سألك
إنسان بطريقة مباشرة عن حكم من أحكام الإسلام و لا تعرفه فتجيبه بعدم المعرفة أما
عبر الإنترنت و الاحتكاك غير المباشر فإنه ينفع في إعطائك وقتا كافياً للبحث أو
سؤال العلماء ثم الرجوع على السائل بالإجابة وهكذا.
عقبات استخدام التقنيات في الدعوة إلى الله
من أبرز العقبات التي تواجه بعض الدعاة والمشايخ وطلبة العلم حول
استخدام التقنيات الحديثة في الدعوة إلى الله وخاصة الإنترنت الأتي:
1- قلة العلم بالحاسب الآلي
ومهاراته: مع
أنها ليست صعبة أو معقدة، فبرامج التشغيل أصبحت مرئية وأصبح بإمكان أي شخص
الالتحاق بدورة لمدة شهر أو أقل وتكون كافية لاستخدام الحاسب الآلي وتوظيفه في
مجال الدعوة إلى الله تعالى.
2– قلة معرفة اللغات : من
العقبات كذلك في توظيف التقنيات الحديثة في الدعوة إلى الله الجهل باللغات الأخرى
والتي إن عرفها الداعية خاطب مجموعات كبيرة في العالم.
3 – بعض النواحي الفنية: ومن
العقبات التي تقف أمام الدعاة في استخدام الإنترنت أو غيرها من الوسائل الحديثة في
الدعوة إلى الله هي قضية النواحي الفنية فهناك بطء وانقطاع في الخدمة في بعض
الأماكن كما أن هناك خدمات لايستطيع الشخص العادي استخدامها.
4 – ضعف القناعة: من
أهم النقاط التي تقف أمام استخدام التقنيات الحديثة وخاصة الإنترنت فلدى بعض
الدعاة ضعف أوعدم قناعة في استخدام التقنيات أصلا، إما بسبب عدم إتقانهم لهذه
الخدمة أو بسبب عدم معرفتهم بالخدمات التي تقدمها.
5–
الخوف: وأقصد
به الخوف السلبي لدى البعض، وخاصة ممن وهبه الله العلم والصلاح، فهو يخاف من
الدخول إلى عالم التقنيات الحديثة خوفا من الوقوع في معصية، أو مشاركة في منكر،
ومع أن الاحتياط مطلوب إلا أن مثل هذا الفعل يفرح به أهل الفساد ليمارسوا دورهم
بعيدا عن معرفة أهل الخير والصلاح، وتبقى الساحة خالية لهم وحدهم.
وسائل التقنية الحديثة فوائد وأضرار :
من أشدّ الفتن المعاصرة وأخطرها فتنة وسائل التقنية الحديثة,من قنوات فضائية ,
وأجهزة الاتصالات, ومواقع الشبكة العالمية, فالمفيد منها قليل, ومنها ما ضرره أكثر
من نفعه, وكثير منها كله شر وفتنة وضلال, وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من
الفتن وأخبر عن كثرتها، فقال:” هل ترون ما أرى، قالوا: لا, قال:فإني لأرى
الفتن تقع خلال بيوتكم كمواقع القطر”.[البخاري (7060), ومسلم (2885)]. وأرشد صلى الله عليه وسلم إلى المخرج والسلامة منها،
فقال:”بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم. يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً،
أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعَرَضٍ من الدنيا”. [مسلم (118) ,
والترمذي (2195)].
وليعلم أن الفتن لن تضر إلا من تشرّف لها, وتردد في نواديها, وهو
أعزل من السلاح, وأعني به قوة الإيمان والعلم النافع, والبصيرة في الدين.
فمن أضرار وسائل التقنية الحديثة :
• إشغال
الفكر بما يضره، والتشويش على أمور الدين بما يتلقى المستخدم من الشبهات،
• هدر
الكثير من الأوقات في غير طائل، وفيما هو قليل الفائدة، إضافة إلى ما يسببه قضاء
الوقت فيها من إضاعة للواجبات الأخرى.
• سهولة
اقتناء هذه الأجهزة ويسر استخدامها وتنوعها, مع إمكانية الخلوة بها مما يعطي
الجاهل وضعيف الإيمان الجراءة على مطالعة ما يغضب الله من المناظر القبيحة،
والمقالات المضلة والمغرضة، مما لها الأثر الكبير في زعزعة العقيدة وإضعافها. ثم
يؤدي ذلك إلى توهين خشية الله، وقلة الحياء منه تعالى.
• توهين
كثيرٍ من المستخدمين بالإثم الذي يقعون فيه دون مبالاة منهم بعواقبه الوخيمة.
• حصول
الجفاء بين كثير من الأسر بسب الانشغال بهذه الوسائل, وضعف الصلة بين الأقارب,
واقتصار التواصل على الأصحاب, والانعزال عن بقية المجتمع.إلى غير ذلك من الآثار
السيئة.
ومعلوم أن كل عاقل حريص على تحصيل ما ينفعه، والبعد عما يضره, ولكن
الظاهر في زماننا هذا أن هذا المفهوم بات غير واضح لدى كثير من الناس أو ضعيف
الأثر عند بعضهم, ولعل من أسباب ذلك: تسارع المدنية الحديثة, واختلاط خيرها بشرها,
وكثرة الفتن التي تطرق القلوب ليلاً ونهاراً, مع ضعف الوازع الإيماني .
والملاحظ أن كثيراً من الناس يولي الأمور الثانوية جانباً كبيراً من
العناية, فهو يهتم مثلاً بالغذاء أو الرياضة والصحة – وهذا أمر مطلوب- بينما تجد
الكثير ممن يهمل الجوانب المهمة, تقصيره ظاهر فيها, مما يؤدي إلى أضرار أشد خطورة.
فهل يقارن الضرر الحاصل بالوقوع فيما يغضب رب العالمين بالضرر الناجم
عن سوء التغذية, أو إهمال الرياضة مثلاً ؟!
أسباب الوقاية من وفتنة التقنية الحديثة :
فلابد من تدارك أخطار هذه الوسائل بالمبادرة بالأعمال الصالحة التي
تُدفع بها الفتن, وبذل
الأسباب الأخرى للوقاية من شرها.ومن ذلك:
• مضاعفة
الجهود للتوعية بأخطار هذه الوسائل، وضرورة نشر الوعي بالاستخدام الصحيح لوسائل
التقنية والاستفادة منها.
• إدراك
قيمة الوقت, وإشغاله بالمفيد من الأعمال الواجبة من الدراسة وكسب العيش والقيام
بالمسؤوليات تجاه الأسرة والعمل الوظيفي، ونحو ذلك.
• الحرص
على طلب العلم والتزود منه لما فيه من الهداية والعدة على مواجهة أعباء الحياة.
فالعلم الشرعي درع منيع يتقي به المرء الأفكار الهدامة والمعتقدات الفاسدة والبدع
المضلة. لذلك يجب عدم التقليل من شأنه أو الزهد فيه والإعراض عنه، فإن الهُدى كل
الهدى في العلم النافع المقترن بالعمل الصالح.
• ومما
يقلل من آثارها السيئة الاستعمال الأمثل لهذه الأجهزة, ويتم ذلك بالتوسع في
البرامج الهادفة التي تجمع بين الفائدة والمتعة البريئة, سواءً كان ذلك في القنوات
أو مواقع شبكة المعلومات. وتشجيع الجهات المختصة في إنتاج البرامج المفيدة ,
وتعديل وتعريب البرامج الأجنبية,والعناية بالشباب على وجه الخصوص لما لهم من
القدرة على ذلك بما لديهم من دوافع حب الاستطلاع والاختراع والبرمجة, وألا يتركوا
نـهباً لدعاة الفتن, فيتيهون في دروب الضياع. بل يجب استغلال طاقتهم في هذه
المجالات وتوجيههم, وتشجيع مواهبهم وتقديم الجوائز لهم وتبني أفكارهم واختراعاتهم.
• ومنها
العناية بالجوانب الإيمانية من تقوى الله ومراقبته تعالى وخشيته وتعظيمه. ومما له
الأثر الكبير في ذلك محاسبة المرء نفسه في خلوته، وحملها على الصدق مع الله،
وتذكيرها علم الله المحيط بما تخفيه الصدور وما تكنه الضمائر. فالله تعالى يقول:{وَإِنَّ
رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَمَا مِنْ
غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }.
والواجب على الجميع اغتنام الوقت والجهد في إصلاح هذه الوسائل,
والمبادرة بالوقاية من شرها, فإنه لا ينكر آثارها السيئة إلا مكابر أو جاهل.{ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ
مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ
إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا
أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ
الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}.
خطوات ومقترحات لا بد منها
أولا- عقد دورات للدعاة حول استخدام التقنيات الحديثة، يكون من
خلالها:1
– مسائل
تأسيسية لابد أن يتنبه لها الداعية وأن يمتلئ بها قلبه مثل الإخلاص والصبر
والاحتساب.
2-
فهم الواقع الذي يعيش به الداعية وطبيعة الناس الذين يدعوهم حتى يكون
خطابه ملائم لهم.
3-
أن يتوفر لدى الداعية ثقافة جيدة، وإطلاع على ما يحدث في هذا العالم.
4-
تدريب الداعية على المهارات والوسائل الدعوية خاصة الحديثة منها،
وكذلك استخدام مختلف التقنيات لتحقيق هدفه.
ثانيا- التجديد في وسائل وأساليب الدورات من خلال آليات مقترحة، مثل:
1-
إعداد مجموعات عمل في الدورة الواحدة.. فيتم –مثلاً- توزيع بطاقات
تحوي موقف تخيُّلي على كل مجموعة، ويتم مناقشة الأسلوب الأمثل للدعوة في مثل هذا
الموقف، وحبذا لو كانت هناك إمكانية لتمثيل هذا الموقف بشكلٍ مبسط.
2-
تدريب الدعاة على أن تكون لديهم خطة عمل دعوية واضحة في حياتهم، وألا
يكتفوا بردات الأفعال على المواقف التي تحدث أمامهم، لذلك فإن النقطة السابقة لا
تكفي وحدها، ولكن لابد من وجود جانبٍ آخر وهو “الواجب الخاص” الذي يقوم المتدرب
بتنفيذه، وهو عبارةٌ عن اختيار فردٍ أو مجموعة أفراد يريد أن يدعوهم، ويضع خطّةً
واضحة المعالم لذلك، ويبدأ في تنفيذها بعد أن يعرضها على المجموعة، وفي نهاية
الفترة يكتب أو يعرض تقريرًا عن سير خطته، ومن البديهي القول أنّ المحاسبة هنا لا
تكون على نتيجة الدعوة فما هي إلا بذور خير نلقيها والله وحده كفيل بإنباتها، ولكن
يتم التقييم لأسلوب الداعية ومنهجية عمله وما واجهه من إيجابيات وسلبيات.
3-
إعداد حلقات يتم من خلالها مناقشة قضايا مجتمعية وعالمية ودور الدعاة
في معالجتها والتطرق إليها، وبخاصةٍ تلك القضايا التي لم يطرق بابها إلا القليل
خوفًا أو حرجًا أو تناسيًا.
4-
تنظيم ندوات يحضرها مجموعة من الدعاة العاملين أو المتخصصين في أحد
العلوم التي أشرنا لها أعلاه، فيتحدثون عن ما يهمّ المتدربين ويعرضون تجاربهم
الدعوية.
5-
تنظيم دورات تقنية مرافقة لهذه الدورة تهتم بتطوير مهارات الدعاة في
استعمال التقنيات الحديثة في الدعوة، مثل الكمبيوتر، الإنترنت، الجرافيك، التصميم،
وغيرها. 6- استثمار مواهب ومهن المتدربين في الدعوة إلى الله ومساعدتهم في ذلك،
فتكون هناك جلسات بعنوان: كيف أدعو إلى الله من موقعي؟ أو كيف أوظف مهاراتي؟
7-
يمكن اعتماد آلية “الرسائل المختصرة” -بالإضافة إلى قراءة الكتب- وهي
رسائل تحتوي تلخيصًا لأهم النقاط التي يراد لفت نظر المتدرّب إليها في الكتب
المرشحة للقراءة.. وفي مراحل متقدمة من الدورة يمكن أن يقوم المتدربون أنفسهم
بإعداد هذه الرسائل وتبادلها.