رسالة ابن
أبي زيد القيرواني
تأليف
عبد الله
بن أبي زيد القيرواني
ت 386 هـ
مُقَدِّمَةٌ
قَالَ
أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ وَأَرْضَاهُ:
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي ابْتَدَأَ الإِنْسَانَ بِنِعْمَتِهِ، وَصَوَّرَهُ فِي الأَرْحَامِِِ بِحِكْمَتِهِ، وَأَبْرَزَهُ إِلَى رِفْقِهِ، وَمَا يَسَّرَهُ لَهُ مِنْ رِزْقِهِ، وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْهِ عَظِيمًا، وَنَبَّهَهُ بِآثَارِ صَنْعَتِهِ، وَأَعْذَرَ إِلَيْهِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُرْسَلِينَ الْخِيَرَةِ مِنْ خَلْقِهِ، فَهَدَى مَنْ وَفَّقَهُ بِفَضْلِهِ، وَأَضَلَّ مَنْ خَذَلَهُ بِعَدْلِهِ، وَيَسَّرَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْيُسْرَى، وَشَرَحَ صُدُورَهُمْ لِلذِّكْرَى، فَآمَنُوا بِاللهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ نَاطِقِينَ، وَبِقُلُوبِهِمْ مُخْلِصِينَ، وَبِمَا أَتَتْهُمْ بِهِ رُسُلُهُ وَكُتُبُهُ عَامِلِينَ، وَتَعَلَّمُوا مَا عَلَّمَهُمْ، وَوَقَفُوا عِنْدَ مَا حَدَّ لَهُمْ، وَاسْتَغْنَوُا بِمَا أَحَلَّ لَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ
.
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي ابْتَدَأَ الإِنْسَانَ بِنِعْمَتِهِ، وَصَوَّرَهُ فِي الأَرْحَامِِِ بِحِكْمَتِهِ، وَأَبْرَزَهُ إِلَى رِفْقِهِ، وَمَا يَسَّرَهُ لَهُ مِنْ رِزْقِهِ، وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْهِ عَظِيمًا، وَنَبَّهَهُ بِآثَارِ صَنْعَتِهِ، وَأَعْذَرَ إِلَيْهِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُرْسَلِينَ الْخِيَرَةِ مِنْ خَلْقِهِ، فَهَدَى مَنْ وَفَّقَهُ بِفَضْلِهِ، وَأَضَلَّ مَنْ خَذَلَهُ بِعَدْلِهِ، وَيَسَّرَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْيُسْرَى، وَشَرَحَ صُدُورَهُمْ لِلذِّكْرَى، فَآمَنُوا بِاللهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ نَاطِقِينَ، وَبِقُلُوبِهِمْ مُخْلِصِينَ، وَبِمَا أَتَتْهُمْ بِهِ رُسُلُهُ وَكُتُبُهُ عَامِلِينَ، وَتَعَلَّمُوا مَا عَلَّمَهُمْ، وَوَقَفُوا عِنْدَ مَا حَدَّ لَهُمْ، وَاسْتَغْنَوُا بِمَا أَحَلَّ لَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ
أَمَّابَعْدُ
أَعَانَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ عَلَى رِعَايَةِ وَدَائِعِهِ، وَحِفْظِ مَا أَوْدَعَنَا مِنْ شَرَائِعِهِ.
فَإِنَّكَ سَأَلْتَنِي أَنْ أَكْتُبَ لَكَ جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَةِ مِمَّا تَنْطِقُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَتَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ، وَتَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ، وَمَا يَتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ؛ مِنَ السُّنَنِ مِنْ مُؤَكَّدِهَا وَنَوَافِلِهَا وَرَغَائِبِهَا، وَشَيْءٍٍ مِنَ الآدَابِ مِنْهَا، وَجُمَلٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُنُونِهِ عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وَطَرِيقَتِهِ، مَعَ مَا سَهَّلَ سَبِيلَ مَا أَشْكَلَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاسِخِينَ وَبَيَانِ الْمُتَفَقِّهِينَ؛ لِمَا رَغِبْتَ فِيهِ مِنْ تَعْلِيمِ ذَلِكَ لِلْوِلْدَانِ كَمَا تُعَلِّمُهُمْ حُرُوفَ الْقُرْآنِ؛ لِيَسْبِقَ إِلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ فَهْمِ دِينِ اللهِ وَشَرَائِعِهِ مَا تُرْجَى لَهُمْ بَرَكَتُهُ وَتُحْمَدُ لَهُمْ عَاقِبَتُهُ، فَأَجَبْتُكَ إِلَى ذَلِكَ؛ لِمَا رَجَوْتُهُ لِنَفْسِي وَلَكَ مِنْ ثَوَابِ مَنْ عَلَّمَ دِينَ اللهِ أَوْ دَعَا إِلَيْهِ
.
أَعَانَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ عَلَى رِعَايَةِ وَدَائِعِهِ، وَحِفْظِ مَا أَوْدَعَنَا مِنْ شَرَائِعِهِ.
فَإِنَّكَ سَأَلْتَنِي أَنْ أَكْتُبَ لَكَ جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَةِ مِمَّا تَنْطِقُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَتَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ، وَتَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ، وَمَا يَتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ؛ مِنَ السُّنَنِ مِنْ مُؤَكَّدِهَا وَنَوَافِلِهَا وَرَغَائِبِهَا، وَشَيْءٍٍ مِنَ الآدَابِ مِنْهَا، وَجُمَلٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُنُونِهِ عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وَطَرِيقَتِهِ، مَعَ مَا سَهَّلَ سَبِيلَ مَا أَشْكَلَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاسِخِينَ وَبَيَانِ الْمُتَفَقِّهِينَ؛ لِمَا رَغِبْتَ فِيهِ مِنْ تَعْلِيمِ ذَلِكَ لِلْوِلْدَانِ كَمَا تُعَلِّمُهُمْ حُرُوفَ الْقُرْآنِ؛ لِيَسْبِقَ إِلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ فَهْمِ دِينِ اللهِ وَشَرَائِعِهِ مَا تُرْجَى لَهُمْ بَرَكَتُهُ وَتُحْمَدُ لَهُمْ عَاقِبَتُهُ، فَأَجَبْتُكَ إِلَى ذَلِكَ؛ لِمَا رَجَوْتُهُ لِنَفْسِي وَلَكَ مِنْ ثَوَابِ مَنْ عَلَّمَ دِينَ اللهِ أَوْ دَعَا إِلَيْهِ
وَاعْلَمْ
أَنَّ خَيْرَ الْقُلُوبِ أَوْعَاهَا لِلْخَيْرِ، وَأَرْجَى الْقُلُوبِ لِلْخَيْرِ
مَا لَمْ يَسْبِقِ الشَّرُّ إِلَيْهِ، وَأَوْلَى مَا عُنِيَ بِهِ النَّاصِحُونَ
وَرَغِبَ فِي أَجْرِهِ الرَّاغِبُونَ إِيصَالُ الْخَيْرِ إِلَى قُلُوبِ أَوْلاَدِ
الْمُؤْمِنِينَ؛ لِيَرْسَخَ فِيهَا، وَتَنْبِيهُهُمْ عَلَى مَعَالِمِ الدِّيَانَةِ
وَحُدُودِ الشَّرِيعَةِ؛ لِيُرَاضُوا عَلَيْهَا، وَمَا عَلَيْهِمْ أَنْ
تَعْتَقِدَهُ مِنَ الدِّينِ قُلُوبُهُمْ وَتَعْمَلَ بِهِ جَوَارِحُهُمْ، فَإِنَّهُ
رُوِيَ أَنَّ تَعْلِيمَ الصِّغَارِ لِكِتَابِ اللهِ يُطْفِئُ غَضَبَ اللهِ،
وَأَنَّ تَعْلِيمَ الشَّيْءِ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ، وَقَدْ
مَثَّلْتُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَنْتَفِعُونَ إِنْ شَاءَ اللهُ بِحِفْظِهِ،
وَيَشْرَفُونَ بِعِلْمِهِ، وَيَسْعَدُونَ بِاعْتِقَادِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ.
وَقَدْ جَاءَ أَنْ يُؤْمَرُوا بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَيُضْرَبُوا عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَيُفَرَّقَ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّمُوا مَا فَرَضَ اللهُ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ قَبْلَ بُلُوغِهِمْ؛ لِيَأْتِيَ عَلَيْهِمُ الْبُلُوغُ وَقَدْ تَمَكَّنَ ذَلِكَ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَسَكَنَتْ إِلَيْهِ أَنْفُسُهُمْ، وَأَنِسَتْ بِمَا يَعْمَلُونَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ جَوَارِحُهُمْ.
وَقَدْ فَرَضَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى الْقَلْبِ عَمَلاً مِنَ الِاِعْتِقَادَاتِ، وَعَلَى الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ عَمَلاً مِنَ الطَّاعَاتِ.
وَسَأُفَصِّلُ لَكَ مَا شَرَطْتُ لَكَ ذِكرَهُ بَابًا بَابًا؛ لِيَقْرُبَ مِنْ فَهْمِ مُتَعَلِّمِيهِ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَإِيَّاهُ نَسْتَخِيرُ، وَبِهِ نَسْتَعِينُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمِ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
وَقَدْ جَاءَ أَنْ يُؤْمَرُوا بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَيُضْرَبُوا عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَيُفَرَّقَ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّمُوا مَا فَرَضَ اللهُ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ قَبْلَ بُلُوغِهِمْ؛ لِيَأْتِيَ عَلَيْهِمُ الْبُلُوغُ وَقَدْ تَمَكَّنَ ذَلِكَ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَسَكَنَتْ إِلَيْهِ أَنْفُسُهُمْ، وَأَنِسَتْ بِمَا يَعْمَلُونَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ جَوَارِحُهُمْ.
وَقَدْ فَرَضَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى الْقَلْبِ عَمَلاً مِنَ الِاِعْتِقَادَاتِ، وَعَلَى الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ عَمَلاً مِنَ الطَّاعَاتِ.
وَسَأُفَصِّلُ لَكَ مَا شَرَطْتُ لَكَ ذِكرَهُ بَابًا بَابًا؛ لِيَقْرُبَ مِنْ فَهْمِ مُتَعَلِّمِيهِ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَإِيَّاهُ نَسْتَخِيرُ، وَبِهِ نَسْتَعِينُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمِ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
بَابُ مَا تَنْطِقُ
بِهِ الأَلْسِنَةُ وَتَعْتَقِدُهُ الأَفْئِدَةُ
مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ
مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ
مِنْ ذَلِكَ: الإِيمَانُ
بِالْقَلْبِ وَالنُّطْقُ بِاللِّسَانِ أَنَّ اللهَ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ
غَيْرُهُ، وَلاَ شَبِيهَ لَهُ، وَلاَ نَظِيرَ لَهُ، وَلاَ وَلَدَ لَهُ، وَلاَ
وَالِدَ لَهُ، وَلاَ صَاحِبَةَ لَهُ، وَلاَ شَرِيكَ لَهُ 
.
لَيْسَ لأَوَّلِيَّتِهِ
ابْتِدَاءٌ، وَلاَ لآخِرِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ، وَلاَ يَبْلُغُ كُنْهَ صِفَتِهِ
الْوَاصِفُونَ، وَلاَ يُحِيطُ بِأَمْرِهِ الْمُتَفَكِّرُونَ، يَعْتَبِرُ
الْمُتَفَكِّرُونَ بِآيَاتِهِ، وَلاَ يَتَفَكَّرُونَ فِي مَاهِيَّةِ ذَاتِهِ،
وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ، وَسِعَ كُرْسِيُّهُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا، وَهُوَ الْعَلِيُّ
الْعَظِيمُ 
.
خَلَقَ الإِنْسَانَ، وَيَعْلَمُ
مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ،
وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا، وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ
الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ.
عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى،
وَعَلَى الْمُلْكِ احْتَوَى
، وَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى 
، لَمْ يَزَلْ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ، تَعَالَى أَنْ
تَكُونَ صِفَاتُهُ مَخْلُوقَةً، وَأَسْمَاؤُهُ مُحْدَثَةً .
كَلَّمَ مُوسَى
بِكَلاَمِهِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ لاَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَتَجَلَّى
لِلْجَبَلِ فَصَارَ دَكًّا مِنْ جَلاَلِهِ ،
وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ فَيَبِيدَ، وَلاَ صِفَةٍ
لِمَخْلُوقٍ فَيَنْفَدَ .
وَالإِيمَانُ بِالْقَدَرِ
خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، حُلْوِهِ وَمُرِّهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ قَدَّرَهُ اللهُ
رَبُّنَا، وَمَقَادِيرُ الأُمُورِ بِيَدِهِ، وَمَصْدَرُهَا عَنْ قَضَائِهِ. عَلِمَ
كُلَّ شَيْءٍ قَبْلَ كَوْنِهِ، فَجَرَى عَلَى قَدَرِهِ. لاَ يَكُونُ مِنْ
عِبَادِهِ قَوْلٌ وَلاَ عَمَلٌ إِلاَّ وَقَدْ قَضَاهُ وَسَبَقَ عِلْمُه بِهِ، ﴿ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾.
يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ
فَيَخْذُلُهُ بِعَدْلِهِ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَيُوَفِّقُهُ بِفَضْلِهِ،
فَكَلٌّ مُيَسَّرٌ بِتَيْسِيرِهِ إِلَى مَا سَبَقَ مِنْ عِلْمِهِ وَقَدَرِهِ مِنْ
شَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ.
تَعَالَى اللهُ أَنْ يَكُونَ
فِي مُلْكِهِ مَا لاَ يُرِيدُ، أَوْ يَكُونَ لأَحَدٍ عَنْهُ غِنًى، أَوْ يَكُونَ
خَالِقٌ لِكُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ هُوَ، رَبُّ الْعِبَادِ وَرَبُّ أَعْمَالِهِمْ،
وَالْمُقَدِّرُ لِحَرَكَاتِهِمْ وَآجَالِهِمْ.
ثُمَّ خَتَمَ الرِّسَالَةَ
وَالنِّذَارَةَ وَالنُّبُوَّةَ بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَجَعَلَهُ آخِرَ الْمُرْسَلِينَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى
اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ الْحَكِيمَ،
وَشَرَحَ بِهِ دِينَهُ الْقَوِيمَ، وَهَدَى بِهِ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ 
.
وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ
رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ يَمُوتُ، كَمَا بَدَأَهُمْ يَعُودُونَ

.
وَأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى ضَاعَفَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْحَسَنَاتِ، وَصَفَحَ لَهُمْ
بِالتَّوْبَةِ عَنْ كَبَائِرِ السَّيِّئَاتِ، وَغَفَرَ لَهُمُ الصَّغَائِرَ
بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَجَعَلَ مَنْ لَمْ يَتُبْ مِنَ الْكَبَائِرِ صَائِرًا
إِلَى مَشِيئَتِهِ ﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا
دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ ﴾.
وَمَنْ عَاقَبَهُ اللهُ
بِنَارِهِ أَخْرَجَهُ مِنْهَا بِإِيمَانِهِ، فَأَدْخَلَهُ بِهِ جَنَّتَهُ ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾،
وَيُخْرِجُ مِنْهَا بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ
شَفَعَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ 
.
وَأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَدْ
خَلَقَ الْجَنَّةَ فَأَعَدَّهَا دَارَ خُلُودٍ لأَوْلِيَائِهِ، وَأَكْرَمَهُمْ
فِيهَا بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَهِيَ الَّتِي أَهْبَطَ مِنْهَا
آدَمَ نَبِيَّهُ وَخَلِيفَتَهُ إِلَى أَرْضِهِ، بِمَا سَبَقَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ

.
وَخَلَقَ النَّارَ فَأَعَدَّهَا
دَارَ خُلُودٍ لِمَنْ كَفَرَ بِهِ وَأَلْحَدَ فِي آيَاتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ،
وَجَعَلَهُمْ مَحْجُوبِينَ عَنْ رُؤْيَتِهِ.
وَأَنَّ اللهَ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا؛
لِعَرْضِ الأُمَمِ وَحِسَابِهَا وَعُقُوبَتِهَا وَثَوَابِهَا 
، وَتُوضَعُ الْمَوَازِينُ لَوَزْنِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ، فَمَنْ
ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَيُؤْتَوْنَ
صَحَائِفَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ
يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ
فَأُولَئِكَ يَصْلَوْنَ سَعِيرًا.
وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ،
يَجُوزُهُ الْعِبَادُ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَنَاجُونَ مُتَفَاوِتُونَ فِي
سُرْعَةِ النَّجَاةِ عَلَيْهِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وقَوْمٌ أَوْبَقَتْهُمْ
فِيهَا أَعْمَالُهُمْ 
.
وَالإِيمَانُ بِحَوْضِ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرِدُهُ أُمَّتُهُ لاَ يَظْمَأُ مَنْ
شَرِبَ مِنْهُ، وَيُذَادُ عَنْهُ مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ 
.
وَأَنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ
بِاللِّسَانِ، وَإِخْلاَصٌ بِالْقَلْبِ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ، يَزِيدُ
بِزِيَادَةِ الأَعْمَالِ، وَيَنْقُصُ بنَقْصِهَا، فَيَكُونُ فِيهَا النَّقْصُ
وَبِهَا الزِّيَادَةُ، وَلاَ يَكْمُلُ قَوْلُ الإِيمَانِ إِلاَّ بِالْعَمَلِ،
وَلاَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ إِلاَّ بِنِيَّةٍ، وَلاَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ إِلاَّ
بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ 
.
وَأَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ
عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَأَرْوَاحُ أَهْلِ السَّعَادَةِ بَاقِيَةٌ
نَاعِمَةٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، وَأَرْوَاحُ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ مُعَذَّبَةٌ
إِلَى يَوْمِ الدِّينِ 
.
وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ
يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَيُسْأَلُونَ، ﴿ يُثَبِّتُ اللهُ
الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الآَخِرَةِ ﴾ 
وَأَنَّ عَلَى الْعِبَادِ حَفَظَةً يَكْتُبُونَ أَعْمَالَهُمْ، وَلاَ
يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عِلْمِ رَبِّهِمْ، وَأَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ
يَقْبِضُ الأَرْوَاحَ بِإِذْنِ رَبِّهِ .
وَأَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ
الْقَرْنُ الَّذِينَ رَأَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَآمَنُوا بِهِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ 
.
وَأَفْضَلُ الصَّحَابَةِ
الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ: أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ
عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ 
.
وَأَلاَّ يُذْكَرَ أَحَدٌ مِنْ
صَحَابَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ بِأَحْسَنِ ذِكْرٍ.
وَالإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، وَأَنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ أَنْ يُلْتَمَسَ
لَهُمْ أَحَسَنُ الْمَخَارِجِ، وَيُظَنَّ بِهِمْ أَحْسَنُ الْمَذَاهِبِ 
.
وَالطَّاعَةُ
لأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وُلاَةِ أُمُورِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ ،
وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَاقْتِفَاءُ آثَارِهِمْ، وَالِاسْتِغْفَارُ
لَهُمْ، وَتَرْكُ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ فِي الدِّينِ، وَتَرْكُ كُلِّ مَا
أَحْدَثَهُ الْمُحْدِثُونَ.
وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا