خطبة آداب الكلام والحديث
الخطبة الأولى
الحمد لله رب
العالمين ..
أما بعد .. أيها
الناس :-
إن نعمة اللسان على
الإنسان نعمة عظيمة ، ومعرفة الآداب التي ينبغي أن يَتحلَّى بها المتكلم أمر مهم ،
وذلك لأن المسلم يحتاج هذه الآداب في مناجاته وكلامه مع ربه عز وجل . ثم كلامه مع
أهل العلم والأصحاب .. والزوج والولد ..
والناس يَتَجَالسون
ويَتَآنَسون فإذا عُدِم بَينهم أَدَبُ الكلام صارتْ لِقَاءاتهم مَجْلَبَةٌ للشحناء
والعداوة والبغضاء .. تَضيع فيها الأوقات وتُهَان فيها النفوس ..
وقد أمر النبي صلى
الله عليه وسلم بحفظ اللسان فقال " إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها
بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار " .
وقال صلى الله عليه
وسلم " إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يَتَبَيَّن فيها ، يزل بها في النار
أبعد ما بين المشرق والمغرب " .
وقوله "ما يتبين
فيها" ..أي: يطلق الكلام على عَوَاهِنِهِ دُون ضابط ولا تفكير ولا تَأَنٍّ ..
فقد يكون في الكلمة اعتداء على الدين أو على الرب تعالى .. أو على شخص بريء فيهوي
بها في النار ، والعياذ بالله .
لذا قال عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه " ما شيءٌ أحوج إلى طول سجن من اللسان "
وقد حث النبي صلى
الله عليه وسلم على لين الكلام وحسن الحديث فقال " إن الجنة غُرُفاً يرى
ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام وألان
الكلام وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام ".
وجاءت الشريعة بآداب
كثيرة للكلام والمحادثة ، ومن ذلك :-
1- خفض الصوت .. والابتعاد
عن الضجيج والصراخ ، فقد قال تعالى في وصية لقمان لابنه .. {واغْضُضْ مِن صَوتِك}
وما ذاك إلا لأن رفع الصوت مُثِير للسامع مُزْعِج له .
إلا إذا احتاج الشخص
إلى رفع صوته لحاجة .
2- وكذلك ينبغي أن
يكون المتكلم بعيداً عن الثَّرْثَرَةِ والتَّشَدُّدِ وتَكَلُّفِ الفَصَاحَةِ ، فقد
روى الترمذي عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن من أحبكم
إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسانكم أخلاقاً ، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم
مني يوم القيامة الثرثارون والمُتَشَدِّقُونَ والمُتَفَيهِقُون " ..
وقال صلى الله عليه
وسلم " إن الله تعالى يُبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل البقرة
بلسانها " أي يَلُف كلامه ويَتَشَدَّق فيه كما تَلُف البقرة الكَلأ والعُشْبَ
بِلسانها .. فهو يُثرثر بلا فائدة ، ويَجْتَرّ الكلام دون اختيار المعاني النافعة
,,
ومن آداب الكلام :
الإنصات .. خاصة إذا
قُرِئ كلام الله تعالى .. ثم إذا تكلم من لهم تَقَدُّمٌ عليك كالوالدين وأهل العلم
، والوجهاء العقلاء ..
ومن آداب الكلام :
الإخلاص فيه فقد
يتكلم الإنسان أحياناً إظهاراً لنفسه أو انتقاماً لها .. لصرف الأنظار إليه ..
فإذا كان الكلام لغير وجه الله فليُمسك
العبد عنه ليَسْلَمَ له دينه ..
ومن آداب الكلام : أن
الإنسان إذا تكلم مع قوم ينبغي أن يختار ألفاظاً وعبارات تناسب عقولهم : ويشرح لهم
من أمور الدين ما تستوعبه أفكارهم .
فأحياناً يكون الشيء
من الدين ، لكن يكون من الحكمة أن لا يَذكره العالِم أمام عامة الناس ، لأنهم يُكذِّبُون
به ولا تتحمل عقولهم تصديقه ، فمن الحكمة هنا أن لا يذكره لهم وإن كان حقاً .
وقد روى البخاري
تعليقاً عن علي رضي الله عنه "حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يُكذَّبَ
الله ورسوله" .
ومن آداب الكلام :
أن لا يسرع المتكلم
به ، بل يتأنى بالكلام حتى يستوعبه الســـامع ولا يحتاج معه إلى الاستفهام . وقد
روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت :" كان في كلامه صلى الله عليه
وسلم ترتيل أو ترسيل " والترتيل هو التأني والتمهل في الحروف والكلمات .
ومن آداب الكلام :
الإقبال على المتحدث
بالوجه فبعض الناس يتحدث معه الشخص ، فتجده يتلفت يميناً وشمالاً أو يَنظر إلى هاتفه
أو ساعته وصاحبه يتحدث .. وهذا فعل أهل الكِبْرِ أو السَّفَه .
ومن آداب الكلام :
البعد عن الكلام
الفاحش والألفاظ البذيئة ، بل الابتعاد عن الألفاظ الصريحة الواضحة إذا كان الأمر
يُستحيا منه ، وقد أدّبنا ربنا تعالى فإنه لما ذكر وَطْء الزوج زوجته قال تعالى {أو
لامستم النساء} فكنّى عن الجِمَاع بالملامسة .
ومن آداب الكلام :
الابتداء بالسلام قبل
الكلام ..
قال صلى الله عليه
وسلم " من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه " حديث حسن .
وتجد بعض الناس اليوم
يدخل المجلس فيقول : أين فلان .. من رأى فلاناً .. فهذا ينبغي أن لا يُجاب حتى يَبْتدئ
بالسلام قبل السؤال .
ومن آداب الكلام :
أن لا يتناجى اثنان
دون الثالث فقد قال صلى الله عليه وسلم : "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى
اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه " لأنه قد يظن أنكما تغتابانه أو أنه دون
مستوى الكلام أو أنه غير ثقة عندكم ..
ويدخل في ذلك أيها
الإخوة الكرام ما لو تكلم في مجلس ثلاثة دون الرابع أو تِسْعَة دون العاشر فإن المَفْسَدَةَ
واحدة ، وكذلك لو اجتمع ثلاثة فتحدث اثنان بلغة لا يعرفها الثالث .. فهذا لا يجوز
أيضاً .
ومن آداب الحديث
والكلام :
أن تحفظ سر المتحدث
إليك .
سواءً طلب ذلك صراحة
أو صدرت منه إشارة تدلّ على أنه يريد أن تحفظ سره . قال صلى الله عليه وسلم "
إذا حَدَّث الرجل بحديث ثم التفت فهي أمانة " ومعنى الالتفات هنا : أنه
يتأكد من أنه لا يوجد في المجلس أحد يسمعه .. فهذا لا يحتاج إلى أن يقول لك لا
تخبر أحداً وإنما إشارته تكفي للتفهم أنه سر لا يُفشى .
إلا إذا كان في إفشاء
سره قضاء على منكر أو نصرة لمظلوم ، فهذا له أحكام خاصة ..
ومن آداب الكلام :
أن يكون باللغة
العربية .. يتكلم العربي بالعربية .. إلا إذا احتاج للكلام بلغة أخرى ، فإن اللغة
العربية عزيزةٌ كريمة ، أنزل الله بها القرآن ، واهتم بها رسله الكرام ..
اسأل الله ان يوفقنا
وإياكم لكل خير أقول قول هذا ....
الخطبة الثانية
"
آداب الكلام والحديث "
الحمد لله على إحسانه
:-
أما بعد أيها الإخوة
في الله :-
إن سعادة المرء في
دنياه وآخرته تكون بأمور عديدة منها أن يتكلم حفظ
لسانه والتأدب مع المسلمين وإخوانه .
ألا كُلّ مَنْ رَامَ
السَّلامَةَ فلْيَصُـنْ جَـوَارِحَهُ
عَمَّا نَهَى الله يَهتدي
يَكُبُّ الفتى في
النار حَصْدُ لِسانه وإرسالُ طَرْفِ المَرء أنكى فَقَيِّدِ
ويَحْرُم بُهْتٌ واغْتِيابُ
نَمِيمَــةٌ وإفشـاءُ
سِــرٍّ ثُم لَعْنٌ مُقَيَّدِ
وفُحْشٌ ومَكْرٌ والبَذَاءُ
خَدِيعَـةٌ وسُخْرِيَةٌ والهُـزؤُ
والكذبُ قَيِّدِ
وإفشاؤُك التَّسليمُ
يُوجِبْ مَحَبَّةً مِن الناس مَجْهُولاً ومَعْرُوفاً اِقْصِدِ
فَخُذْهَا بِدَرْسٍ لَيسَ
بِالنوم تُدْرِكَنْ لأهْلِ النُّهَى
والفَضْل في كُلِّ مَشْهَدِ
اللهم أعنا على حفظ
ألسنتنا ، وتجميل عباراتنا ، ووفقنا لما يرضيك ..